خطبة الجمعة القادمة 28 أبريل 2023م بعنوان: حق العمل ، للدكتور مسعود عرابي
خطبة الجمعة القادمة 28 أبريل 2023م بعنوان : حق العمل للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ 8 شوال 1444هـ ، الموافق 28 أبريل 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 أبريل 2023م بصيغة word بعنوان : حق العمل ، للدكتور مسعود عرابي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 أبريل 2023م بصيغة pdf بعنوان : حق العمل ، للدكتور مسعود عرابي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 28 أبريل 2023م ، بعنوان : حق العمل ، للدكتور مسعود عرابي.
أولًا: مكانةُ العملِ في الإسلامِ.
ثانيًا: عليكُم الحلالَ في الكسبِ، فإنَّ العملَ تحتَ رؤيةِ اللهِ ورسولهِ.
ثالثًا: ثمرةُ الجهدِ والعملِ النافعِ على الفردِ والمجتمعِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 28 أبريل 2023م ، بعنوان : حق العمل ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:
حقُّ العمـــــــلِ
الحمدُ للهِ الذي امتنَّ على عبادهِ بنبيِّهِ المرسلِ، وبكتابهِ المنزلِ الذي لا يأتيهِ الباطلُ مِن بينِ يديهِ ولا مِن خلفهِ تنزيلٌ مِن حكيمٍ حميدٍ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وحبيبهُ، اللهُمّ صلّ وسلمْ وزدْ وباركْ على سيدِنَا مُحمدٍ وعلى آلِ بيتهِ الأماجد، وأصحابهِ الأكارم، والتابعينَ ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
وبعـدُ… فإنّ خطبتَنَا هذه بعونِ اللهِ ومددهِ وتوفيقهِ ورعايتهِ تدورُ حولَ هذه العناصرِ:
أولًا: مكانةُ العملِ في الإسلامِ.
ثانيًا: عليكُم الحلالَ في الكسبِ، فإنَّ العملَ تحتَ رؤيةِ اللهِ ورسولهِ.
ثالثًا: ثمرةُ الجهدِ والعملِ النافعِ على الفردِ والمجتمعِ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 28 أبريل 2023م بعنوان : حق العمل
أولًا: مكانةُ العملِ في الإسلامِ.
للعملِ مكانةٌ عظيمةٌ في الإسلامِ، وذلك ليجعلَ مِن عمرِ الإنسانِ فائدةً تعودُ عليهِ بالنفعِ، ثُم تعودُ بالنفعِ كذلكَ على سائرِ الخلقِ، وكانتْ نظرةُ الناسِ للحياةِ قبلَ الإسلامِ مختلفةً، فكلُّ واحدٍ مِن الخلقِ يريدُ أنْ يشغلَ حياتَهُ فيمَا يطيبُ لهُ مِن ملهياتِ الحياةِ، فيفترصُ ذلك العمرَ في شربةِ خمرٍ أو ركوبِ خيلٍ، وسماعِ مغنيةٍ، لكنَّ الإسلامَ غَيَّرَ نظرةَ الناسِ للحياةِ، وجعلَ منهم السواعدَ العاملةَ، واليدَ الكادحةَ، التي تعتزُّ بالعملِ وتتشرفُ بالكسبِ الحلالِ، ولا يوجدُ عملٌ حقيرٌ في الإسلامِ ما دامَ يعفُّ صاحبَهُ عن الحرامِ، ويسدُّ جوعتَهُ، ويسترُ مِن خلالهِ عورتَهُ، ويغنِيه عن مذلةِ السؤالِ، ويحفظُ ماءَ وجهِ وسخاءَ يدهِ مِن أنْ تمتدَّ إلى الخلقِ بالسؤالِ لحاجةِ العيالِ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ كما في صحيحِ البخاري: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ».
فالإسلامُ دينُ العزةِ والكرامةِ، دينُ العملِ ورفعُ الهامةِ، دينُ البناءِ للدنيا والآخرةِ، لا يحبُ الخنوعَ والدناءةَ، ويكرَهُ الكسلَ والتواكلَ، شعارُهُ إذا قامتْ القيامةُ وفي يدِ أحدِكُم شجرةً يمكنهُ أنْ يغرسَهَا فليغرسْهَا، ومبدؤهُ ما أكلَ أحدٌ طعامًا قط خيرًا مِن أنْ يأكلَ مِن عملِ يدهِ.
مِن هذا المنطلقِ حذّرَ مِن أكلِ السحتِ، ومِن سؤالٍ عن كسلٍ وخمولٍ، ووصفَ يدَ الآخذِ بعدَ السؤالِ بأنّها اليدُ السفلَى الهابطةُ الذليلةُ، وحرصَ على السعيِ والعملِ والأكلِ مِن عرقِ الجبينِ، لقد قِيلَ لرسولِ اللهِ ﷺ: إنَّ فلانًا يصومُ النهارَ ويقومُ الليلَ. قال: فمَن ينفقُ عليهِ؟ قالوا: أخوه. قال: أخوه خيرٌ منه، وهكذا يقولُ ﷺ لأنْ يأخذَ أحدُكُم حبلَهُ وفأسَهُ فيذهبَ إلى الباديةِ، فيقطعَ شجرًا، ويجمعَ حطبًا، فيحملَهُ على ظهرهِ، وكتفهِ، فيذهبَ بهِ إلى السوقِ فيبيعَهُ فيأكلَ مِن ثمنهِ خيرٌ لهُ مِن أنْ يتسولَ، ويمدَّ يدَهُ إلى الناسِ طالبًا إحسانَهُم، إنْ أعطوهُ كان ذليلًا دنيئًا، وإنْ منعوهُ كان كسيفَ البالِ خاسئًا حقيرًا. [ المنهل الحديث في شرح الحديث ].
ولمّا كان للعملِ في الإسلامِ مكانةٌ عاليةٌ ومنزلةٌ رفيعةٌ، إذ بهِ ينالُ العبدُ الأجرَ والثوابَ، وهو عبادةٌ عظيمةٌ للهِ تعالى وامتثالٌ لأمرهِ، عن طريقهِ تقومُ الحياةُ، وتعمرُ الديارُ، وتزدهرُ الأوطانُ، ويحدثُ الاستقرارُ، أمرَ بهِ سبحانَهُ وتعالَى، وهيءَ الأرضَ وسهلَهَا لخلقهِ، وجعلَ فيها مِن الخيراتِ وقدّرَ فيهَا مِن الأقواتِ، وجعلَهَا ذلولةً لكافةِ البشرِ على اختلافِ الدياناتِ، وهذا كمالُ فضلٍ على بني البشرِ، قالَ تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾. [ الملك، 15 ].
أي إنَّ ربَّكُم هو الذي سخرَ لكم الأرضَ وذللَهَا لكم، فجعلَهَا قارّةً ساكنةً، لا تميدُ ولا تضطربُ بمَا جعلَ فيها مِن الجبالِ، وأوجدَ فيها مِن العيونِ، لسقيِكُم وسقيِ أنعامِكُم وزروعِكُم وثمارِكُم، وسلكَ فيها السبلَ، فسافِرُوا حيثُ شئتُم مِن أقطارِهَا، وترددُوا في أرجائِهَا، لأنواعِ المكاسبِ والتجاراتِ، وكلُوا مِمّا أوجدَهُ لكم فيها بفضلهِ مِن واسعِ الأرزاقِ- والسعيُ في الأرزاقِ لا يُنافِى التوكلَ على اللهِ. [ تفسير المراغي ].
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 28 أبريل 2023م بعنوان : حق العمل
ثانيًا: عليكُم الحلالَ في الكسبِ، فإنَّ العملَ تحتَ رؤيةِ اللهِ ورسولهِ.
ولمزيدِ التعظيمِ مِن شأنِ العملِ، الذي هو الوسيلةُ إلى الكسبِ، حضَّتْ هذه الشريعةُ الغراءُ على إتقانِه، وتحرِّي الحلالِ، وحذّرَتْ مِن سوءِ العاقبةِ لِمَن لا يخشَى المآلَ، فبدأَ ربُّنَا بلفتِ انتباهِ العمالِ إلى أنَّه سبحانَهُ وتعالى يراهُم، ومطلعٌ بذاتِه على أعمالِهِم، ورسولُهُ الكريمُ ﷺ مطلعٌ عليهم، وكذلك عامةُ المسلمين، فقالَ تعالَى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. [ التوبة، 105].
ففي هذه الآيةِ الكريمةِ تَرْغِيبٌ عَظِيمٌ لِلْمُطِيعِينَ، وَتَرْهِيبٌ عَظِيمٌ كذلك لِلْمُذْنِبِينَ، فَكَأَنَّهُ سبحانه وتَعَالَى قَالَ: اجْتَهَدُوا فِي أعمالِكُم وأخلِصُوا، فَإِنَّ لِعَمَلِكُمْ فِي الدُّنْيَا حُكْمًا وَفِي الْآخِرَةِ حُكْمًا، أَمَّا حُكْمُهُ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ أَنَّهُ يَرَاهُ اللَّهُ وَيَرَاهُ الرَّسُولُ وَيَرَاهُ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنْ كَانَ طَاعَةً حَصَلَ مِنْهُ الثَّنَاءُ الْعَظِيمُ وَالثَّوَابُ الْعَظِيمُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً حَصَلَ مِنْهُ الذَّمُّ الْعَظِيمُ فِي الدُّنْيَا وَالْعِقَابُ الشَّدِيدُ فِي الْآخِرَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ الْوَاحِدَةَ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ الْمَرْءُ إِلَيْهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَمَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ. [ تفسير الرازي ].
ثم أغلقَ البابَ على صاحبِ الكسبِ الحرامِ، فأخرجَ أحمدُ وغيرُهُ، مِن حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : « إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ، فَقَدْ أَحَبَّهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يَسْلَمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ، وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» ، قَالُوا: وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: « غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ، وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللَّهَ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ». أَيِ: الْمَالُ الْحَرَامُ لَا يُجْدِيَ الْبَتَّةَ فَعَبَّرَ عَنْ عَدِيمِ النَّفْعِ بِالْخَبِيثِ. [ مرقاة المفاتيح ].
ثم وضعَ الحقُّ سبحانَهُ وتعالى قاعدةً لخلقهِ، هي معيارٌ يقاسُ بهِ الكسبُ الحلالُ، وميزانٌ يحترزُ بهِ عن أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ، ولا يحـــرمُ المرءُ نفسَهُ مِن الثوابِ الجزيلِ الذي أرشدَنَا إليهِ سيدُ الخلقِ وحبيبُ الحقِّ سيدُنَا مُحمدٌ ﷺ حين جعلَ صاحبَ الكسبِ الحلالِ، الذي يراقبُ ربَّهُ في كسبهِ في منزلةِ مَن يُستشهَدُ في سبيلِ ربِّهِ، وأنّ عملَهُ في أعلَى المنازلِ، فعندَ الطبرانِيِّ والبيهقِي، أنَّه مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ ». فهذا الثوابُ العظيمُ والعطاءُ الجزيلُ لا يغفلُ عنهُ العقلاءُ، ولا يرضُوا بغيرِ هذا الفضلِ بديلًا، لكنْ أهلُ الغفلةِ قد يؤثرونَ الفانيةَ على الباقيةِ، ويرضونَ بالملذاتِ والشهواتِ عوضًا عن جناتِ القرباتِ والفوزِ بالدرجاتِ.
والقاعدةُ التي ساقَهَا ربُّنَا لخلقِهِ، ليتحرُّوا الكسبَ الحلالَ، هي في قولِهِ تعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾. [ النساء، 29 ].
وهذا يقتضِي أنَّ حصولَ المالِ لا بُدَّ أنْ يكونَ بطيبِ نفسٍ، وطرقٍ مشروعةٍ، وإتقانٍ عملٍ، ونصحٍ وإرشادٍ، وإلّا دخلَ في دائرةِ الكسبِ المحرمِ الذي يجلبُ على صاحبهِ الويلَ والثبورَ وعظامَ الأمورِ، فينعمَ بهِ في الدنيا ثُم يلقَى جزائَهُ يومَ لا ينفعُ فيهِ مالٌ ولا بنونَ إلّا مَن أتَى اللهَ بقلبٍ سليمٍ.
وبيّنَ سبحانَهُ وتعالَى أنَّ النهيَ عن أكلِ مالِ الغيرِ معقودٌ بصفةٍ, وهو أنْ يأكلَهُ بالباطلِ، وقد تضمَّنَ ذلك أكلَ أبدالِ العقودِ الفاسدةِ كأثمانِ البياعاتِ الفاسدةِ، وكمَن اشترَى شيئًا مِن المأكولِ فوجدَهُ فاسدًا لا ينتفعُ بهِ فيكونَ أكلُ ثمنهِ أكلُ مالٍ بالباطلِ، وكذلك ثمنُ كلِّ ما لا قيمةَ لهُ، وسائرُ ما لا منفعةَ فيهِ، فالانتفاعُ بأثمانِ جميعِ ذلك أكلُ مالٍ بالباطلِ، وهذا يدلُّ على أنَّ مَن باعَ بيعًا فاسدًا وأخذَ ثمنَهُ أنَّه منهيٌّ عن أكلِ ثمنهِ وعليهِ ردهُ إلى مشتريهِ؛ لأنّهُ ربحٌ حصلَ لهُ مِن وجهٍ محظورٍ. [ أحكام القرآن للجصاص ].
وهذه القاعدةُ أوضحَهَا رسولُ اللهِ ﷺ كمَا عندَ مسلمٍ وغيرهِ مِن حديثِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ: « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ». حَاكَ فِي صَدْرِكِ أَيْ: تَحَرَّكَ فِيهِ وَتَرَدَّدَ وَلَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ الصَّدْرُ وَحَصَلَ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ الشَّكُّ وَخَوْفُ كَوْنِهِ ذَنْبًا [ شرح النووي ]. ولعلَّ هذا مِن عدلِ اللهِ في خلقِهِ، بأنْ أوضحَ لهم كافةَ الطرقِ والسبلِ التي ترشدُهُم إليهِ وتدلُهُم عليهِ، فأحيَ ضمائَرَهُم وأيقظَ فيها واعظَ اللهِ يرشدُهُم إلى ما فيهِ الخيرُ والنفعُ، فكلُّ كسبٍ تترددُ فيهِ، ولا ينشرحُ صدرُكَ لهُ فهو مؤشرٌ على أنّه كسبٌ حرامٌ، وفعلٌ مئزرٌ غيرُ مبرورٍ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 28 أبريل 2023م بعنوان : حق العمل
ثالثًا: ثمرةُ الجهدِ والعملِ النافعِ على الفردِ والمجتمعِ.
لكلِّ عملٍ أخذَ حقَّهُ مِن الإخلاصِ والاتقانِ ثمرةٌ تعودُ على الفردِ والمجتمعِ، بل ينعكسُ فضلُهُ على كافةِ الخلقِ، وعمارةِ الدنيا، ويعيشُ بهِ الإنسانُ عيشَ السعداءِ، وينالُ به في الآخرةِ ثوابَ الأتقياءِ، وقد بعثَ الحقُّ سبحانَهُ وتعالَى أنبياءَهُ أربابَ حرفٍ مختلفةٍ، ولو شاءَ لصبَّ عليهم العطاءَ، وأغدقَ عليهم المالَ مِن غيرِ عناءٍ، لكنْ جعلَهُم للبشرِ قدوةً وقادةً، وحضَّهُم على العملِ فهو جزءٌ مِن العبادةِ، وبيّنَ أنّ نظامَ هذه الحياةِ يتطلبُ السعيَ والعملَ، فجميعُ المخلوقاتِ مِن حولِنَا تسعَى بجدٍ، وتعملُ بنشاطٍ، والعاقلُ لا يرضَى لنفسهِ أنْ يكونَ عالةً على غيرهِ، وهو يعلمُ أنّ الرزقَ منوطٌ بالسعيِ، وأنَّ مصالحَ الحياةِ لا تتمُّ إلّا باشتراكِ الأفرادِ حتى يقومَ كلُّ واحدٍ بعملٍ خاصٍّ لهُ، وهناك تتبادلُ المنافعِ، وتدورُ رحَى الأعمالِ، ويتمُّ النظامُ على الوجهِ الأكملِ.
اللهُمّ أعنّا على العملِ النافعِ والكسبِ الحلالِ، واجعلْ اللهُمّ بلدنَا مصرَ سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمين، اللهم جنبنَا الفتنَ ما ظهرَ منهَا وما بطن، ووفقْ شعبَهَا وولاةَ أمورِهَا إلى ما فيهِ الخيرُ للبلادِ والعبادِ بقدرتِكَ ورحمتِكَ يا ربَّ العالمين.. اللهم آمين!
بقلم/ مسعود عرابي.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف